الخطوات التي قطعها رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في سبيل ضبط تصرفات بعض منسوبي الهيئة ومنع المطاردات وتدخل المتطوعين من التدخل في عمل الهيئة كلها خطوات جيدة تحسب له؛ لأن احترام حقوق الإنسان والتعامل مع المواطنين والمقيمين وفق قواعد واضحة تحترم إنسانيتهم وخصوصيتهم مسألة في غاية الأهمية للحد من الأخطاء القاتلة التي لا يقبل بها عاقل، كما أن تعاون الهيئة مع (نزاهة) في مكافحة الفساد الإداري داخل الجهاز وإحالتهم إلى جهات التحقيق يعد تطورا مهما في هذا الجهاز الحكومي الذي كان لسنوات طويلة قلعة مغلقة لا يفكر أحد في مراجعة ميزانياته أو الوقوف عند المخالفات الإدارية لبعض موظفيه.
ولكن ما يثير الاستغراب في الإدارة الجديدة للهيئة هو حماسها الغريب للتصدي لأعمال السحر ودعم الأقسام المتخصصة بفك الأعمال السحرية وتنظيم دورات في مناطق مختلفة لـ(الخبراء) المختصين بهذا النوع من العمليات الدقيقة!، صحيح أنه من واجب أجهزة الدولة ملاحقة المشعوذين والقبض على السحرة، ولكن إهدار الأموال العامة على موظفين حكوميين يلاحقون أشياء غير محسوسة ولا ملموسة مسألة تحتاج إلى وقفة تأمل ومراجعة جادة، فالخسائر لن تكون في الأموال فقط، بل ستمتد لتلحق أضرارا حقيقية بوعي المجتمع.
أحيانا، أتخيل بأن هذه الحماسة لدعم عمليات مكافحة السحر تأتي على سبيل التعويض!، فأعضاء الهيئة الذين شعروا أن المجتمع اليوم لم يعد قادرا على القبول بما كان يسمى بـ(الأخطاء الفردية) التي تضرر منها مواطنون ومقيمون أخذوا بالشبهات وجدوا في مهمة تفكيك الأعمال السحرية بابا جديدا لإثبات مواهبهم الخارقة، وهكذا بدأت الصحف تنشر أخبارا حول نجاحات أقسام مكافحة السحر في مختلف المناطق في إنقاذ المسحورين والمسحورات، من خلال العثور على الأعمال السحرية التي أربكت حياتهم في تجاويف الجدران وأنابيب تمديدات المياه، وهكذا يصبح السحر جزءا أساسيا من واقعنا، وليس حالة استثنائية نادرة.
والمزعج في الأمر أن أي محاولة للاستفهام عن هذا الموضوع بالذات سوف تقابل بالسؤال المدبب: (هل تنكر وجود السحر؟)، وهو بالطبع مقدمة لإخراجك من الملة لمجرد محاولتك فتح هذا الملف العجيب، ولكن المحافظة على الأموال العامة واجب ديني مثلما هو واجب وطني، وكذلك الأمر بالنسبة لأي دعوة لاحترام العقل والمنطق؛ لذلك لن نتردد في سؤال معالي رئيس الهيئات عن مؤهلات هؤلاء الخبراء الذي يفككون الأعمال السحرية في مختلف المناطق؟، وما هي الضمانة لمصداقية عملياتهم كي لا تكون ضربا من ضروب الوهم؟، وما هو الفرق بينهم وبين المشايخ الذين يقومون بذات العمل لوجه الله تعالى؟، وكيف يمكن التأكد من كون هؤلاء الذين استفادوا من خدمة فك السحر مسحورين فعلا وليسوا مرضى نفسيين؟!، وما هي المقاييس التي تعتمدها الهيئة لتحديد النجاحات والإخفافات في هذا المجال؟، وكيف تستطيع أي جهة رقابية أن تتأكد من أن هؤلاء الموظفين الحكوميين يقومون بعملهم على الوجه الصحيح، وأن الأموال والجهود لم تتجه لصناعة المزيد من الأوهام؟!